في الوقت الذي تتكتم فيه وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، عن نتائج دراسة ميدانية لمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، قامت بحقن وتغذية 50 رأسا من الأغنام بالمواد المحظورة، بعد اندلاع فضيحة تعفن الأضاحي السنة الماضية، كان عزيز أخنوش تعهد بالكشف عن نتائجها في يناير الماضي ولم يفعل؛ سارعت وزارته إلى “تفويت” صفقة ترقيم حوالي 6 ملايير من الأغنام الموجهة للذبح في عيد الأضحى القادم في صمت، بقيمة 36 مليون درهم (حوالي 3 ملايير و600 مليون سنتيم).
الصفقة الذي ستقوم بتنفيذها الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء، تمت من دون الإعلان عن طلب العروض، وبموجب اتفاقية وقعها الطرفان من 11 صفحة حصلت “أخبار اليوم” على نسخة منها، نفت فيها مصادر مقربة من الوزارة أن يكون هذا النوع من التعاقد يتم وفقا لطلب العروض، وهو الأمر الذي سرى على مختلف التعاقدات السابقة التي قامت بها وزارة أخنوش، حيث قامت بـ”تفويت مثل هذه الصفقات مباشرة للفيدراليات المهنية”، وحسب المصادر فإن مثل هذه الصفقات يتم تمريرها عن طريق الاتفاقيات المعتمدة منذ انطلاق مخطط المغرب الأخضر، في غياب للمحاسبة الدقيقة أو عرض نتائج ملموسة لمختلف الاتفاقيات المبرمة.
الاتفاقية التي حصلت “أخبار اليوم” على نسخة منها، وارتأت وزارة الفلاحة أن توقعها مع الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء بعيدا عن أنظار الرأي العام، للشروع في تنفيذ الترقيم الوطني للأغنام، تمت في غياب أي معطيات رسمية تكشف فيها الوزارة عن تفاصيل تفويت هذه الصفقة.
وتتحدث الاتفاقية على الترتيبات الخاصة بتمويل وتنفيذ إجراءات الترقيم بشراكة مع مهنيي اللحوم الحمراء، من أجل ترقيم وإحصاء الضيعات المخصصة لتسمين الأضاحي.
حسب المعطيات التي حصلت عليها الجريدة بخصوص تمويل هذه العملية، فإن الحد الأقصى للميزانية المخصصة لترقيم الأغنام والماعز الموجهة للذبح في عيد الأضحى، ستبلغ 36 مليون درهم، وهو الرقم الذي سيشمل تكاليف شراء 6 ملايين “حلقة”، بقيمة 24 مليون درهم، بقيمة 4 دراهم لكل حلقة، وهو المبلغ الذي يشمل أيضا تكاليف إحصاء ضيعات مربي الأغنام الموجهة للذبح، بما فيها تكاليف (التكوين والتعويضات والوقود وصيانة المركبات).
وهي الاعتمادات المالية المخصصة أيضا من أجل إنشاء منصة حاسوبية ستضم قاعدة البيانات التي سيتم تحديثها باستمرار، وتتعلق أساسا بضبط عدد المربين والأغنام التي سيتم تسمينها، وتتبع حركية هذه الأغنام داخل السوق المغربية، وهي العملية التي ستنطلق قبل شهر واحد من عيد الأضحى. وفي الوقت الذي لم تكشف فيه وزارة الفلاحة، عن الطريقة التي تمت بها الصفقة، فإن الاتفاقية التي وقعتها مع الفيدرالية البيمهنية، تؤكد على أن الإفراج عن الأموال المتعلقة بتنفيذ عملية الترقيم الوطني، ستخضع للمراقبة ولجدول زمني محدد كما تنص على ذلك المادة 8 من هذه الاتفاقية.
كما أوضحت الوزارة، أنه في نهاية تنفيذ هذه الاتفاقية، فإن المبالغ غير الملتزم بها وغير المدفوعة أو غير المبررة، ولاسيما تلك المتعلقة بتوزيع الحلقات على الكسابة، ستُعاد بدون تأخير.
وتدعو الاتفاقية التي وقعتها وزارة الفلاحة، لتحديد هوية الأغنام الموجهة للذبح في عيد الأضحى، إلى تعبئة المهنيين، من أجل التحقق من عملية تحديد هوية أضاحي العيد هذه السنة. والإشارة إلى التزام أطر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، بالمشاركة إلى جانب الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء، في تسجيل وحدات تسمين الأغنام الموجهة للذبح، وتأمين حملة التواصل والتنسيق، وتعبئة التقنيين التابعين للمكتب وتوجيه وتقديم المشورة للمستهلك، من خلال المشاركة في الوصلات الإشهارية في التلفزيون والإذاعة، وتوزيع الملصقات، كما تلزم الصفقة أطر السلامة الصحية، بتحديد قائمة بوحدات التسمين المسجلة من طرف المصالح البيطرية التابعة إليه، وتكليفه أيضا بعمليات المراقبة والتحقق والتحكم في التنفيذ السليم لعملية الترقيم.
وتلزم اتفاقية وزارة الفلاحة أطر السلامة الصحية بالقيام بكل الإجراءات الضرورية لنشر المعلومات الموجهة للمستهلكين: وتحديد نقاط بيع الأغنام، وتحديد شروط شرائها وإعدادها للتسمين، وإلزام الكسابة بالامتثال لقواعد النظافة، والحفاظ على ظروف جيدة لحفظ اللحوم.
في حين تلزم الصفقة مهنيي الفيدرالية البيمهنية للحوم الأضاحي، بضمان السير العادي لتوزيع الحلقات المخصصة لترقيم قطيع الأغنام الموجهة للذبح، وفقا لمتطلبات فنية خاصة محددة في الاتفاقية التي تجمع الوزارة مع مهنيي الفيدرالية، لضمان تحقيق هذه العملية قبل حلول عيد الأضحى 1439.
حسب المعطيات التي حصلت عليها الجريدة، فإن الحديث عن تنفيذ الصفقة، سيتم بالتزامن مع إنشاء حساب بنكي خاص في الخزينة العامة للمملكة، لتنفيذ الاتفاقية مع الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء، سيتم فيه وضع المبالغ المخصصة لترقيم الأضاحي، وهي التي سيتم وضعها تحت تصرف الفيدرالية البيمهنية، لتنفيذ إجراءات البرنامج المتفق عليه بموجب الاتفاقية التي سيعهد إليها بالتحقق من هوية الأغنام الموجهة لعيد الأضحى. كما ستخضع المعاملات المالية ذاتها حسب الاتفاقية، لمراقبة وزارة الفلاحة.
وتنص اتفاقية وزارة الفلاحة، على الامتثال الصارم للفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء، للأحكام القانونية المتعلقة بإدارة الحساب البنكي في الخزينة العامة للمملكة، التي تفرض عليها تسوية جميع معاملات التحصيل والدفع المتعلقة بصفقة الترقيم عن طريق هذا الحساب المصرفي.
حقائق التفويت
حسب رئيس الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء محمد كريمين، فصفقة الترقيم الوطني لأضاحي العيد قامت بها وزارة الفلاحة، ويقتصر دور الفيدرالية على تنفيذها، والتكلف بإحصاء الضيعات وتسجيل الكسابة.
وهي صفقة تأتي بعد المعطيات التي تحدثت عن أن تعفن الأضاحي سببه الاستخدام المفرط لهرمونات “دردك”، وحبوب منع الحمل “مينيدريل”، وفضلات الدجاج، وهي اتفاقية ستهم الترقيم الوطني لحوالي 6 ملايين من الأضاحي التي ستكون بالمجان، وهي العملية الواسعة التي ستمكن من التحقق من هوية وطريقة تسمين أضاحي العيد.
وكشف كريمين في اتصال مع “أخبار اليوم”، أن الفيدرالية شرعت في تسجيل الكسابة الذين يقومون بتسمين أضاحي العيد، وانطلقت عملية الإحصاء، التي سيشرف عليها أيضا أطر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بشراكة مع السلطات المحلية، وفي مقدمتهم جميع القياد والمقدمين والشيوخ.
حسب إفادات رئيس الفيدرالية البيمهنية للحوم الأضاحي، فإنه تم إحصاء حوالي 18 ألف ضيعة، من مجموع حوالي 100 ألف ضيعة، وهي العملية التي سيتم ضبطها بدقة في الأيام القادمة، كما أشار المتحدث إلى تكوين 450 تقنيا سيقومون بتسجيل كل المعطيات، وستنطلق عملية الترقيم يوم 1 يونيو القادم. حسب كريمين، لم يكن بالإمكان الانطلاق في عملية تسجيل وترقيم الأضاحي قبل أشهر، لأن أغلبية الكسابة يشرعون في تسمين الأضاحي في أول أيام شهر رمضان، وإذا ما تم الشروع قبل هذا التاريخ في إحصاء الضيعات، فسيكون من الصعب إحصاء الكسابة وضبط عمليات تسمين الأغنام الموجهة للعيد. وكشف رئيس مهنيي اللحوم، أن الفيدرالية تتوفر على فريق عمل يشتغل لساعات طويلة، مستعينين بخط أخضر سوف يكون صلة وصل مع الكسابة يمكنه أن يستقبل 24 مكالمة في نفس الوقت. من جانب آخر، وبعدما ظل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية يؤكد بضغط من الوزارة، على أن ما طال أضاحي هذه السنة من اخضرار وتعفن لا علاقة له بالأعلاف، بل مرتبط بطريقة ذبح الأضاحي وارتفاع درجات الحرارة يوم وليلة عيد الأضحى، فقد اضطر بعد فضيحة تعفن الأضاحي، إلى أن يسارع بالتعاقد مع خلية علمية للخبراء، من بينهم خبراء معهد الزراعة والبيطرة، تمكنه من تعميق البحث العلمي في فضيحة اخضرار اللحوم لتفادي تصريحات متضاربة بينه وبين المؤسسات العلمية.
حسب المعطيات التي تتوفر عليها الجريدة، فإن مديرية تحليل الأخطار ستشتغل أيضا مع خلايا علمية في عدة مجالات من أجل تحديد الأخطار التي تهدد صحة المستهلك تحسبا لتكرار تعفن أضاحي هذه السنة. بعد انكشاف فضيحة تعفن الأضاحي، وجه جمال بن شقرون كريمي، النائب البرلماني عن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، سؤالا لعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، للاستفسار حول تغير لون لحوم الأضاحي وظهور تعفنات عليها بعد مرور 24 ساعة على عملية ذبحها.
وطالب النائب في سؤاله وزارة الفلاحة، بفتح تحقيق في الأعلاف المستعملة ومصدرها ومحاسبة المتورطين، ومراقبة هذه الأعلاف ومدى مطابقتها للمعايير الصحية المعمول بها عالميا قبل تقديمها للقطعان. أجاب عزيز أخنوش وزير عن سؤال يتعلق بظاهرة تغير لون بعض أضاحي العيد، حيث قدم التفسيرات والشروحات المتعلقة بالظاهرة، ضمن أشغال لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب.
لهذا تتكتم الوزارة
وحسب مصادر مطلعة، فإن وزارة الفلاحة مازالت تتكتم عن نتائج تحقيق صادم، أنجزه خبراء بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، بخصوص “فضيحة تعفن الأضاحي” الصيف الماضي من المفترض حسب تعهد أخنوش أن تكشف نتائجه في يناير الماضي. التحقيق يتجه إلى تحميل وزارة الفلاحة المسؤولية الكاملة في عدم تشديد المراقبة الصحية على الأضاحي، ويفند أيضا كل المبررات “المغلوطة” التي صرح بها الوزير الوصي على القطاع، عشية الكشف عن هذه الفضيحة المدوية، والتي صرح في بداية الأمر “بأن التشخيص الأولي لظاهرة تغير لون بعض أضاحي العيد يُرجع هذه الحالات للظروف المناخية أولا، وشروط تخزين اللحوم وشروط تهييء السقيطة بشكل عام”.
المعطيات الصادمة التي خلصت إليها تحريات خبراء المعهد، تؤكد بأن تعفن الأضاحي سببه الاستخدام المفرط لهرمونات “دردك” الذي تتناوله الفتيات للزيادة في الوزن، واستعمال حبوب منع الحمل “مينيدريل”، وفضلات الدجاج في العلف الموجه لتسمين الأضاحي.
الاعتراف المتأخر
عزيز أخنوش الذي استدعي إلى البرلمان في شتنبر الماضي، اعترف بالفضيحة وتأسف لوقوعها قائلا: “من المؤسف حقا أن فرحة العيد لم تكتمل بالنسبة لبعض العائلات”. في بداية اندلاع فضيحة الأضاحي، أعلن أخنوش أنه لم يتم ملاحظة أي اخضرار في رؤوس الأغنام التي تمت تهيئتها بعد عيد الأضحى لهذه السنة والبالغ عددها (30000 رأس) وغالبيتها من الأكباش المتبقية من أضاحي العيد.
وقال إن 4 ملايين طن من المواد الأولية والمستعملة في إنتاج الأعلاف الحيوانية التي تستوردها، “تخضع لمراقبة جد صارمة بنقط التفتيش بالحدود”، مشيرا إلى “أن عملية تسمين أضاحي العيد تتم بنفس الطريقة التي تحضر بها الماشية الموجهة للمجازر وتستعمل نفس الأعلاف”، قبل أن تفند نتائج التقرير الصادم ذلك، الذي أظهر الأسباب الحقيقية لتعفن الأضاحي ونشرت الجريدة جزءا من نتائجه.
حسب وزارة الفلاحة، تم إنجاز تحريات ميدانية همت 100 ضيعة لتسمين الأغنام، حيت تم أخذ عينات من الأعلاف المستعملة ودم الأغنام قصد إخضاعها للتحاليل المخبرية والتأكد من مدى سلامتها، لتعود الوزارة مرة أخرى لتؤكد أن دراسة معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، ستمكن من تقديم البراهين حول ثبوت أو نفي وجود علاقة بين استعمال فضلات الدجاج وحبوب دردك وحبوب منع الحمل واخضرار وتعفن لحوم الأغنام. قبل أن تشرع حاليا في القيام بعملية تسجيل ضيعات تسمين الأغنام طبقا لقانون السلامة الصحية، والشروع في عملية ترقيم الأغنام والماعز التي ستشمل كذلك الأضاحي التي سيتم إعدادها لعيد الأضحى، مما سيمكن من تتبع مسارها.
اليوم 24